أكبر موقع اسلامى عربي يضم العديد من المواضيع التي تفيد مجتمعنا الاسلامى العربى من أجل نهضة المجتمع ومن أجل ثقافة ووعي أكبر من أجل مستقبل أفضل .

ارجوا ان تنال المدونه اعجابكم ولا تنسو التعليق لان هذا هو الى يشجعنا ونشرها لافاده الاخريين
انضم الى حمله دكتور عمر خالد


الخميس، 8 مارس 2012

ماهي التحديات التي تواجه المرأة العربية في سبيل نجاحها ؟

آخر تحديث:  الأربعاء، 7 مارس/ آذار، 2012، 17:12 GMT

فتيات عربيات
نشر موقع أريبيان بزنز المختص بالتجارة العربية قائمة بأسماء أقوى مائة امرأة عربية لعام 2012. و جاءت في الصدارة الشيخة لبنى القاسمي التي تشغل منصب وزيرة التجارة الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، و هي المرة الثانية على التوالي التي احتلت فيها صدارة هذه القائمة. و جاءت توكل كرمان، الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في المرتبة الثانية. أما المرتبة الثالثة فكانت من نصيب الأميرة أميرة الطويل، زوجة رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال.
ضمت القائمة أسماء سيدات عربيات من عوالم التجارة و السياسة و الفنون. و جاء نشرها قبل أيام من حلول ذكرى يوم المرأة العالمي الذي يصادف 8 مارس/آذار، وفي وقت يزيد فيه الحديث عن التحديات التي تواجه المرأة العربية في سعيها للحصول على حقوقها. كما تثار تساؤلات عما إذا كان وضعها قد تحسن كثيراً بعد ثورات الربيع العربي.
في هذه المناسبة، سنخصص حلقة خاصة لمناقشة التحديات التي تواجه المرأة العربية اليوم، و كيفية التغلب عليها. هل المرأة العربية تعاني بالفعل من تهميش و إقصاء من مختلف مجالات الحياة سواء كانت سياسية أو تجارية أو اجتماعية؟
ما هي العقبات التي تواجهها المرأة العربية في طريقها للبروز كعضو فاعل في المجتمع؟
هل استطاعت بعض النساء العربيات التغلب على هذه العقبات؟ و كيف؟
هل تعتبر "قوة" الشخصيات المذكورة في القائمة المشار إليها نموذجاً يقتدى به؟
ما هو الدعم الذي تطالب به المرأة العربية من أجل زيادة فرص نجاحها؟

وسائل اليهو فى محاربه الدين الاسلامى

د. راغب السرجاني

وسائل اليهود في محاربة الإسلام

اليهوداتبع اليهود في حربهم ضد الإسلام أكثر من وسيلة لإبعاد الناس عن الإسلام، وهو ما سنبينه في السطور القادمة.

الوسيلة الأولى: الحرب الإعلامية وإثارة الشبهات

فقد بدء اليهود بالتأثير الفكري على المسلمين، وعلى مشركي المدينة. ولما كان في المدينة مؤمنون، وآخرون ما زالوا يفكرون في الإسلام، بدأ اليهود بإثارة الشبهات لزعزعة عقيدة المؤمنين، وصرف من يفكر في الإسلام عنه - وهذا ما يقوم به الآن الإعلام اليهودي الذي هو من أكبر أدوات الحرب اليهودية ضد الإسلام والمسلمين - فعلى سبيل المثال: يعلنون أمام الأنصار أن رسولنا محمدًا ليس الرسول الذي في كتبهم، ونحن أدرى بكتبنا. وقد دخل معاذ بن جبل t في حوار مع اليهود وقال لهم: "يا معشر اليهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ". تستفتحون علينا أي: كانوا يقولون إنه سيُبعث نبي في آخر الزمان، نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم، يهددونهم بالرسول ، فلما بُعث رسول الله كفروا؛ فيقول لهم معاذ بن جبل: "كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهلُ شِرْكٍ ، وتخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته". فلماذا كفرتم به؟ وما الذي غيرَّكم؟ فقال سَلاَم بن مِشْكَم من بني النضير: "ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم"[1]. فأنزل الله في كتابه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].

ومن أمثلة محاولات التأثير الفكري أيضًا أنهم فكروا في خطة في منتهى الخبث، فكروا أن يؤمنوا قليلاً مع رسول الله ، ثم يتركوه ويقولوا: لما دخلنا معه وعرفنا الإسلام على حقيقته وجدنا أنه على باطل ثم تركناه؛ فيهتز المسلم الجديد، ويتردد الذي يفكر في الإسلام. قال الله في ذلك: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72].

ثم إنهم بدءوا يكذِّبون القرآن الكريم، فعلى سبيل المثال ذكر القرآن الكريم أن الجنة للمؤمنين وأن النار لمن كذب وكفر، وفي ذلك يقول الله I: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البيِّنة: 6].

فيقولون: لا، نحن سندخل النار فترة محدودة جدًّا من الزمن؛ قالوا في بعض الروايات: سبعة أيام. وفي روايات أخرى قالوا: أربعين يومًا، وبعد ذلك نخرج من النار، ويُدخِل الله المسلمين النار أبد الآبدين؛ فأنزل الله : {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80].

ورغم ذلك لما دعاهم الرسول لتمنِّي الموت فيموت أكذب الفريقين رفضوا ذلك؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لو تمنى اليهود الموت لماتوا. وقال الله في ذلك: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 94، 95].

فهم يعرفون أنهم إذا تمنوا الموت أمام رسول الله ، وأن الذي سيموت هو أكذب الفريقين أنهم سيموتون؛ لأنهم الأكذب؛ ولذلك لم يفعلوا. وقِسْ على هذا الأمر أحداثًا كثيرة مثل إنكارهم نبوة سليمان u؛ لأن الله ذكر في كتابه أنه نبي فأنكروا نبوته، واتهموه بالسحر، حتى أنبياؤهم طعنوا فيهم لأجل الطعن في القرآن الكريم، والآيات التي نزلت في ذلك كثيرة، وليس هنا مجال للتفصيل في ذلك.

إذن أهم وسائل حرب اليهود ضد المسلمين هي التأثير الفكري في الحرب الإعلامية التي أشعلوها، وإثارة الشبهات عند المسلمين أو عند من يفكر في الإسلام.

الوسيلة الثانية:التأثير الاقتصادي

أموال ونقود ذهبيةفقد ذهبوا إلى الأنصار الذين نصروا رسول الله وأمروهم بعدم الإنفاق على من عند رسول الله ، قال الله في ذلك: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 37].

أي يكتمون التوراة وهم قد بخلوا بالمال وأمروا الأنصار بالبخل بمالهم، وبذلك يؤثرون سلبًا على اقتصاد المسلمين.

الوسيلة الثالثة: إحداث الفرقة في الصف المسلم

محاولة تفريق الصف المسلم ومحاولة فك الرابط القوي الذي صنعه الرسول بين الأوس والخزرج، وقد قام بهذه المحاولة رجل يهودي كبير في السن اسمه شاس بن قيس؛ فقال كلمة تُعتبر في الحقيقة حكمة حيث قال: يا معشر يهود، تعلمون أنه والله لا مقام لكم في يثرب إذا اجتمع بنو قيلة (الأوس والخزرج) ؛ لأنه لو حدث هذا الاجتماع ستتوطد قوة الرسول عليه الصلاة والسلام في داخل المدينة المنورة، وفي هذا إيذاء لليهود؛ لأنهم على كراهية شديدة لرسول الله ، كما أن اليهود تجار سلاح وكانوا يربحون أموالاً طائلة من الحرب بين الأوس والخزرج، فإذا وحَّد الرسول بين الأوس والخزرج كما حدث وانتهت الحرب بين الأوس والخزرج، سيضيع جزء كبير من القوة الاقتصادية لليهود وهو قوة تجارة السلاح؛ فماذا فعل؟ لقد أرسل شابًّا يهوديًّا كان يسير معه، وقال له: اجلس مع الأنصار، وذكِّرهم بيوم بُعاث، وأنشدهم من الأشعار التي قيلت فيه، فتتحرك فيهم الحمية والقبلية والعصبية الجاهلية؛ فيصطرع القومان.

وبالفعل ذهب الشاب وفعل ما أمر به؛ فدخل الشيطان بين الأوس والخزرج مع أنهم من عمالقة الإيمان، لكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق، وقام رجلان واحد من الأوس وآخر من الخزرج؛ فتصارعا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها جَذَعَةً. أي نعود للحرب مرة أخرى كأيام الجاهلية؛ فغضب الفريقان جميعًا الأوس والخزرج، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة (الحَرَّة الآن)، السلاحَ السلاحَ. فخرجوا إليها في لحظة من لحظات الضعف لما دخل الشيطان إلى قلوب الأوس والخزرج، وكادت أن تقوم مهلكة عظيمة بين الفريقين، وفي ذلك الوقت كان الرسول جالسًا وسط مجموعة من المهاجرين، ووصله النبأ الخطير، فقام مسرعًا حتى وصل إلى الأنصار. وانتبه لاختلاف الكلمات عن الكلمات التي قالها الرسول في حل المشكلة القديمة التي دارت قبل ذلك بين مشركي الأوس والخزرج ومؤمنيهم، وكان عبد الله بن أُبيّ ابن سلول هو الذي أثار المشكلة، ساعتها ذكرهم الرسول بالقبلية والتحدي لقريش، أما الآن فالرسول يخاطب حضورًا من المسلمين فقط، قال : "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!" دعوى الفُرقة بين المسلمين دعوى الجاهلية، هكذا عرَّفها : "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"؛ دعوى القومية، أنا أوسي وأنت خزرجي، هذه دعوى الجاهلية، بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع عنكم الجاهلية، واستنقذكم بها من الكفر وألَّف بين قلوبكم. الحوار هنا مختلف تمامًا، يذكرهم بالله تعالى، يذكرهم بالشرع الحكيم، يذكرهم بقال الله وقال الرسول؛ لأن نوعية المخاطب مختلفة، شتَّان بين خطابه لمجموعة مختلطة من المسلمين والمشركين، وخطابه لمجموعة خالصة من المسلمين.

عرف القوم أنها نزغة من نزعات الشيطان، وكيد من أعدائهم؛ فبكوا في لحظتهم، وتأثروا جميعًا في لحظة واحدة، وعانق رجالُ الأوس والخزرج بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين كأن شيئًا لم يكن.

مرت المشكلة التي حاول شاس بن قيس أن يشعلها، ولم يحدث أذى داخل الصف المسلم، ولكن ظهرت خطورة اليهود بشكل أكبر على المسلمين، وأنزل الله في شاس بن قيس قوله I: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98، 99]. وأنزل الله I في الأوس والخزرج قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 100، 101].

وتتوالى الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102، 103].

قصة أبي بكر وفنحاص اليهودي

إذن كانت هناك محاولات مستمرة من اليهود للتفريق بين المسلمين، ولحصار المسلمين اقتصاديًّا، وللتشكيك في الدين، كل هذه محاولات مكثفة متكررة، ومع ذلك كان ردُّ فعل المسلمين كظم الغيظ، ومحاولة تجنُّب الصدام قدر المستطاع، ونزل التوجيه الرباني للمسلمين، قال I: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ} [البقرة: 109].

إذن ماذا نفعل؟

يقول تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].

فنحن نرى هنا مخالفة واضحة من اليهود، ولكن المخالفة لم تصل إلى درجة القتال، وإلى درجة مظاهرة الكفار على إخراج المسلمين من ديارهم. لم تصل إلى هذه الدرجة؛ لذلك حتى هذا الوقت فالمطلوب من الرسول أن يعفو ويصفح، ويصل بدعوته حتى إلى اليهود أولئك المكذبين الجاحدين، فاستمرت الدعوة الإسلامية إليهم، واستمرت محاولات تجنب الصدام من المسلمين، وفي الوقت نفسه فإن الرسول يعرف أن قوة المسلمين ما زالت في طور الإنشاء كما ذكرنا، وقوة اليهود كبيرة، ولعل الدخول في معركة مع اليهود في كل صغيرة وكبيرة ليس في مصلحة الأمة الإسلامية في ذلك الوقت؛ فكان الصبر هو الحل، ومع ذلك فهذا الصبر وهذه الحكمة شجعت اليهود لحمقهم على تجاوزات أكبر.

من ذلك ما حدث عندما دخل أبو بكر الصِّدِّيق t على بيت المِدْرَاس، وكان بيتًا كبيرًا يُعَلَّمُ فيه اليهودُ التوراة، ويقوم فيه بالتعليم حَبْر من أحبار اليهود اسمه فِنْحَاص، ومعه آخر يساعده يسمى أشيع، فدخل أبو بكر على اليهود وهم يُعَلَّمُون التوراة بطريقة اليهود بتحريفها وتزويرها بإنكار نبوة الرسول ، فلما دخل الصِّدِّيق وسمع هذا الكلام قال لفنحاص ومن معه: "يا فنحاص، اتقِ الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدًا لَرسول الله ، وقد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل".

فقال فنحاص لأبي بكر: "والله يا أبا بكر". وانتبه لهذه الكلمات لتعرف طبيعة اليهود، هذا الكلام من 1400 سنة، فما بالكم بما يقال الآن! قال: "والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير". حاشا لله! يقول: "وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنَّا بغنيٍّ، ولو كان عنا غنيًّا ما استقرض أموالنا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا وَيُعْطِينَاهُ، ولو كان غنيًّا لما أعطانا الربا".

ربنا I يقول في كتابه الكريم: {إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17].

ففنحاص يقول: إن هذا نوع من الربا، ألست تعطي الله أموالاً ويضاعفها لك؟ فهو ربا. إذن كيف ينهى الله عن الربا ويأخذه؟! أرأيت هذا العقل المعوَّج؟! هذا كلام فنحاص يعبر عن نفسيَّة ممزقة تمامًا، نفسيَّة بشعة! نفسية فنحاص ومَن معه ممن على دينه.

ماذا فعل أبو بكر الصديق t أمام هذا الكلام؟ في الحقيقة لم يجد كلامًا يرد به، فردَّ بيديه وضرب فنحاص ضربًا شديدًا في وجهه حتى اختفت معالم وجه الرجل. لم يستطع التصرف مع هذه الكلمات البشعة إلا بهذا التصرف، ثم ذهب للرسول يحكي له الموقف، وهذا - لا شك - على غير ما اتفق عليه المسلمون؛ فالمسلمون كانوا معتادين على العفو والصفح وعدم الإيذاء. ومن الناحية الأخرى جاء فنحاص يشتكي لرسول الله ما فعله أبو بكر فيه، وقال له: أرأيت؟ انظر ما صنع بي صاحبك. فقال لأبي بكر الصديق: ما حملك على ما صنعت؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن عدو الله هذا قال قولاً عظيمًا، إنه زعم أن الله فقير، وأنهم أغنياء؛ فلما قال هذا غضبتُ لله مما قال، وضربت وجهه. هنا قال فنحاص: ما قلت ذلك. وأنكر ما قال، فأنزل الله قوله:{لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181].

بهذا أيَّد ربنا I كلام أبي بكر الصديق، وكشف ما قاله فنحاص عليه لعنة الله، وأنزل الله في حق الصديق t قولاً آخر، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: 186].

مع أن الغضب هنا كان لله ، وليس للنفس، ومع أن العقاب الذي فعله الصِّدِّيق يعتبر مناسبًا للحدث؛ لأنه يعتقد أن الدفاع الذي فعله هذا بضرب وجه فنحاص يعتبر مناسبًا للجريمة التي فعلها؛ فقد سبَّ الله تعالى، وجَرَّح المسلمين، وهذا مخالفٌ للعهد، وكان الصِّدِّيق يستطيع قتل فنحاص، فقد قال لفنحاص في إحدى الروايات: "والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربتُ رأسك يا عدو الله"[2]. اكتفى الصديق بالضرب مع كل هذا، إلا أن الله أمر المسلمين بالتعقل والصبر في ذلك الوقت حتى لو كانت الجريمة قد تمت؛ لأن الدخول في حرب أهلية في هذا التوقيت لعله يفتح على المسلمين أبوابًا كثيرة من الفتن، ولعله يؤدِّي إلى تداعيات لا يتحملها موقف المسلمين في هذه اللحظة.

الوضع في المدينة

هذه الأحداث التي ذكرناها من بداية حديثنا عن العهد المدني من السيرة النبوية وحتى هذه اللحظة، حدثت على أرض الواقع في ستة أشهر، والآن أصبحت المدينة تتوقع هجومًا من قريش. تتوقع تعاملاً من قريش مع المشركين في المدينة. تتوقع تعاملاً من قريش مع اليهود الذين كذبوا ورفضوا الدخول في الإيمان. تتوقع هجومًا من الأعراب. كل هذه ظروف قد تحدث بين يوم وليلة، وساعتها ماذا سيكون ردُّ المسلمين؟ مع أن القاعدة التي تحكم حياة المسلمين إلى هذه اللحظة هي: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. القاعدة التي تحكم تعاملات المسلمين مع المشركين بشتى أنواعهم: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}. كيف سيعرض المسلمون عن المشركين مع هذا الإيذاء المستمر؟ وهل ستتغير القاعدة ويصبح هناك صدام وحرب وقتال؟

هذا ما سوف نعرفه في الصفحات القادمة إن شاء الله.

الاماره

د. أحمد الحسن
الإمارة في الدولة الإسلاميةتنقسم الدولة الإسلامية إداريًّا إلى ولايات تتبع عاصمة الخلافة التي تضم مقر الخليفة، ودواوين الدولة الرئيسة، ويطلق على المتولي لكل ولاية من ولايات الدولة لقب "والٍ" أو "أمير".

وتنقسم الإمارة -بحسب السلطات التي يمنحها الخليفة للأمير- إلى قسمين، وهما:

أولاً- الإمارة العامة:

ويقصد بها تولية الخليفة لأمير على ولاية معينة للإشراف على جميع المصالح التي تحت ولايته، كالشئون العسكرية والسياسية والمالية والقضائية، وإقامة الحدود الشرعية، وحفظ عقيدة المسلمين وأخلاقهم، وتيسير أمور الحجيج إلى بيت الله الحرام، وإمامتهم في الجامعات والجُمَع والأعياد.

وتنقسم هذه الإمارة العامة -تبعًا لطبيعة التقليد- إلى نوعين، إما اختيارًا أو اضطرارًا:

1- إمارة استكفاء:

وهي التي يعين الخليفة فيها أميرًا على ولاية باختياره دون اضطرار، ويشترط في هذا الأمير المختار نفس صفات وزير التفويض[1].

2- إمارة استيلاء:

وهي الإمارة التي يعقدها الخليفة مضطرًّا لشخص استولى على ولاية بالقوة، فيفوض الخليفة إليه تدبير مصالحها وسياسة أمورها[2].

وإقرار الخليفة في هذه الحال -وإن كان يرجع إلى عجزه عن استرجاعها من جهة، ولكنه من جهة أخرى- يضفي الصفة الشرعية على سياساته وتصرفاته في تنفيذ مسئولياته المقررة عليه كأمير، كما لو وُلِّي اختيارًا من قبل الخليفة، وقد يؤدي هذا التفويض إلى كسب طاعته، ومنع سفك دماء المسلمين.

ولعل مثل هذه السياسة أدت ببعض أمراء الاستيلاء في الخلافة العباسية إلى الاعتراف بالخليفة كرمز ديني، يخطبون له على المنابر في الجُمَع، ويطبعون اسمه مع أسمائهم على النقود، ويؤدون إليه بعض الأموال اعترافًا بطاعته[3].

ثانيًا: الإمارة الخاصة:

وتقتصر مسئوليتها غالبًا على إمارة الجيش وتدبير شئونه، وصفات هذا الأمير هي نفس صفات الأمير في الإمارة العامة باستثناء العلم الشرعي، ويحل محل هذا الشرط الخبرة والدراسة بالشئون العسكرية[4].

تاريخ الإمارة وتقسيم الولايات

بدأ تعيين الأمراء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على المناطق من السنة الثامنة من الهجرة (629م) بعد فتح مكة؛ إذ ولّى صلى الله عليه وسلم عليها عتاب بن أسيد، الذي يعتبر أول ولاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقَبْل ذلك كان المسلمون مستضعفون في مكة قبل الهجرة، ولم يقع تحت سلطتهم بعد الهجرة وقبل الفتح إلا المدينة التي يتولى حكمها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، ثم توالى تعيين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على مختلف أنحاء الجزيرة العربية بعد انتشار الإسلام فيها.

وأهم الولايات المعروفة في عهده صلى الله عليه وسلم: مكة، والطائف، ونجران، والمنطقة الواقعة ما بين زَمَع وزبيد إلى حد نجران، وصنعاء، والجَنَد[5].

وبعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ظلَّ الخلفاء في العصور المختلفة يعينون الولاة على الولايات والأمصار الرئيسية في عهد الخلفاء الراشدين: مكة، والبصرة، والكوفة، ومصر، والبحرين، والشام، واليمن، والجزيرة.

وأهم أمصار العهد الأموي: الحجاز وتضم مكة والمدينة والطائف، واليمن، والعراق وتشمل البصرة والكوفة، وخراسان، وسجستان، والسند، والبحرين، وعمان، واليمامة، ومصر، وشمال إفريقيا وتتبعها الأندلس، والجزيرة وتتبعها أرمينة وأذربيجان.

ولم تختلف التقسيمات الإدارية في بداية العصر العباسي كثيرًا عما كانت عليه في الدولة الأموية، مع الأخذ بعين الاعتبار انفصال الأندلس واستقلالها عن الدولة العباسية، وتجزئة بعض الولايات[6].

وأما في العصر العباسي المتأخر فلا يمكن أن نضع ملامح إدارية عامة لكل الفترة؛ وذلك لضعف الخلافة وانفصال كثير من المناطق عن السلطة المركزية، واختلال التقسيمات الإدارية بحسب تغيُّر الظروف السياسية.

وبقيت الأندلس تحت قبضة أمير واحد منذ فتحها وعاصمتها قرطبة حتى سنة 400هـ/ 1009م، أي حتى نهاية الحكم الأموي فيها، ثم تفككت إلى دويلات متعددة، تزيد وتنقص بحسب الظروف والأحوال، وكل دويلة أصبحت فعليًّا دولة مستقلة عن الدويلات الأخرى.

ويعود ظهور الإمارة العامة والإمارة الخاصة إلى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد عيَّن عتاب بن أسيد أميرًا على مكة بعد فتحها، وكانت إمارته عامَّة، وعيَّن زيد بن حارثة أميرًا على جيش المسلمين المتوجّه إلى الشام، وحارب الروم في معركة مؤتة المشهورة سنة 8هـ/629م، وكانت ولايته خاصة.

وكانت طبيعة الإمارة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى صدر الدولة العباسية عبارة عن إمارة استكفاء، ولكن عندما ضعفت سلطة الدولة العباسية المركزية في بغداد -بعد مقتل المتوكل سنة 247هـ/ 861م- أخذت بعض الأقاليم تنفصل عنها وتستقل بشئونها، فكثرت إمارة الاستيلاء مثل الدولة الطولونية (245-292هـ/ 859-904م)، والدولة الإخشيدية (323-358هـ/ 934-968م) في مصر، والدولة الحمدانية (293-394هـ/ 905-1003م) في الموصل وحلب.

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، العدد (365)، محرم 1417هـ.

فن الزخرفه فى الاسلام


د. راغب السرجاني
اتجه الفنان المسلم إلى عوالم جديدة بعيدة عن رسم الأشخاص، وبعيدة أيضًا عن محاكاة الطبيعة، وهنا ظهرت عبقريته وتجلَّى إبداعه، وعمل خياله، وحِسَّه المرهف، وذوقه الأصيل، فكان من هذه العوالم عالم الزخرفة.

فإذا كانت صناعة الجمال هي وظيفة الفنِّ الإسلامي، فإن الزخرفة تُعَدُّ واحدة من الوسائل المهمَّة التي تصنع ذلك الجمال؛ فهي العمل الخالص الذي لا يُقْصَدُ به إلاَّ صُنْعَ الجمال، وهنا يلتقي شكلُ العمل الفني بمضمونه لِيُكَوِّنَا وَحدة متماسكة لِصُنْعِ الجمال ظاهرًا وباطنًا، الأمر الذي لا نكاد نجده في أي نوع آخر من الفنون[1].

خصائص الزخرفة الإسلامية

فن  الأرابيسك Arabesqueاتخذت الزخرفة الإسلامية خصائص مميِّزة كان لها عظيم الأَثَرِ في إبراز المظهر الحضاري لنهضة المسلمين، وازدهرت بدرجة عالية، سواءٌ من حيث تصميمها وإخراجها أو من حيث موضوعاتها وأساليبها، واستخدم التقنيون المسلمون خطوطًا زخرفية رائعةَ المظهر والتكوين، وجعلوا من المجموعات الزخرفيَّة نماذج انطلق فيها خيالهم إلى اللانهاية والتكرار والتجدُّد والتناوب والتشابك، وابتكروا المضلَّعَات النجمية وأشكال التوريق، وأشكال التوشح العربي الذي أطلق عليه الأوربيون (الأرابيسك Arabesque)، ولا يزال هذا النسق العربي في الزخرفة يحظى بالاهتمام في بلدان عديدة منذ ظهر لأوَّل مَرَّة في الزخرفة الفاطمية، وفي مسجد الأزهر، في منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وقد حذق أهل تقنية الزخارف المعمارية الإسلامية صنعةَ النحت المسطَّح والغائر على الخشب، أو الحجارة، أو الرخام، ومهروا في استخدام الموادِّ الملوَّنة، وإجادة النقوش[2].

هذا، وتُعَدُّ العناصر النباتية، وكذا العناصر الهندسية مقوِّمَات أساسية في بناء هذا الفنِّ، تتعاون مع بعضها تارة، وتنفرد كل منهما على حِدَةٍ تارة أخرى، وعلى هذا فهناك نوعان من الزخرفة: الزخرفة النباتية، والزخرفة الهندسية[3].

الزخرفة النباتية

وتقوم الزخرفة النباتية أو (فنُّ التوريق) على زخارف مُشَكَّلَة من أوراق النبات المختلفة والزهور المنوَّعة، وقد أُبْرِزَتْ بأساليب متعدِّدَة من إفراد ومزاوجة وتقابُل وتعانق، وفي كثير من الأحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلَّفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ومتناظرة، تتكرَّرُ بصورة منتظمة.

وبإعمال الفنان المسلم خيالَه استطاع أن يبتعد بفنِّه عن تقليد الطبيعة، فجاءت توريقاته عملاً هندسيًّا، أُمِيتَ فيه العنصرُ الحيُّ، وساد فيه مبدأ التجريد، وقد انتشر استعمال هذه الزخارف في تزيين الجدران والقباب، وفي التحف المختلفة (نحاسيَّة وزجاجية وخزفية)، وفي تزيين صفحات الكتب وتجليدها.

الزخرفة الهندسية

الزخرفة  الهندسيةوهي النوع الآخر للزخرفة الإسلامية؛ حيث برع المسلمون في استعمال الخطوط الهندسية، وصياغتها في أشكال فنية رائعة، فظهرت المضلَّعات المختلفة، والأشكال النجمية، والدوائر المتداخلة، وقد زَيَّنَتْ هذه الزخرفةُ المباني، كما وشحت التحف الخشبية والنحاسية، ودخلت في صناعة الأبواب وزخرفة السقوف؛ ممَّا يُعَدُّ دليلاً على عِلْـمٍ مُتَقَدِّمٍ بالهندسة العملية.

وقد استطاع المسلمون استخراج أشكال هندسية متنوِّعة من الدائرة، منها المسدس والمثمن والمعشر، وبالتالي المثلث والمربع والمخمَّس، ومن تداخُل هذه الأشكال مع بعضها وملء بعض المساحات وترك بعضها فارغًا نحصل على ما لا حصر له من تلك الزخارف البديعة، التي تستوقف العين، لتنتقل بها رويدًا رويدًا من الجزء إلى الكل، ومن كُلٍّ جزئيٍّ إلى كُلٍّ أكبر.

وكان همُّ الفنان المسلم وشُغْلُه الشاغل، أن يبحث عن تكوين جديدٍ مُبْتَكَرٍ يتولَّدُ من اشتباكات قواطع الزوايا أو مزاوجة الأشكال الهندسية؛ لتحقيق مزيدٍ من الجمال الرصين، ومن أمثلة الأشكال الهندسية التي استعملها: الدوائر المتماسَّة والمتجاورة، والجدائل والخطوط المنكسرة والمتشابكة.

ومن أبرز أنواع الزخارف الهندسية التي امتازت بها الفنون الإسلامية: الأشكال النجمية متعدِّدَة الأضلاع، والتي تُشَكِّلُ ما يُسَمَّى (الأطباق النجمية)، وقد اسْتُخْدِمَ هذا الضرب من الزخارف في زخارف التُّحَفِ الخشبية والمعدنية، وفي الصفحات المُذَهَّبَة في المصاحف والكتب، وفي زخارف السقوف.

ولقد كان الناقد الفرنسي هنري فوسيون (H. Faucillon) دقيق التعبير عميق الملاحظة حينما قال: "ما أخال شيئًا يمكنه أن يجرِّد الحياة من ثوبها الظاهر، وينقلنا إلى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الإسلامية؛ فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على الحساب الدقيق، قد يتحول إلى نوع من الرسوم البيانية لأفكار فلسفية ومعانٍ رُوحية. غير أنه ينبغي ألاَّ يفوتنا أنه خلال هذا الإطار التجريدي تنطلق حياةٌ متدفِّقة عَبْرَ الخطوط، فتؤلّف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد، متفرِّقة مَرَّة ومجتمعة مَرَّات، وكأن هناك رُوحًا هائمة هي التي تمزج تلك التكوينات وتُبَاعِدُ بينها، ثم تُجَمِّعُهَا من جديد، فكلُّ تكوين منها يَصْلُح لأكثرَ من تأويل، يتوقَّفُ على ما يُصَوِّبُ عليه المَرْءُ نظرَه ويتأَمَّلُه منها، وجميعها تُخْفِي وتكشف في آنٍ واحد عن سِرِّ ما تَتَضَمَّنُه من إمكانات وطاقات بلا حدود"[4].

الزخرفة  الإسلاميةومن أبرز العمليات الفنية في الزخرفة الإسلامية: الترصيع، التكفيت، التلبيس، التعشيق، التطعيم، التجصيص، القرنصة، التزويق، التصفيح، التوشيع. ومن أبرز الموادِّ المستخدمة فيها: الرخام، الجصُّ، الخشب، المعادن، الآجُرّ، الفسيفساء، القاشاني، الخزف.

وعن فنِّ الزخرفة وبيان غايته وخصائصه يقول روجيه جارودي[5]: "إنَّ فنَّ الزخرفة العربي يتطلَّع إلى أن يكون إعرابًا نمطيًّا عن مفهوم زخرفي، يَجْمَعُ بآنٍ واحد بين التجريد والوزن، وإن معنى الطبيعة الموسيقي، ومعنى الهندسة العقلي، يُؤَلِّفَان دومًا العناصر المقوّمَة في هذا الفنِّ"[6].

العسكريه الاسلاميه

د. عماد عجوة
العسكرية الإسلامية تراث زاخر عبر التاريخلدى المسلمين إنتاج فكري غزير في كَمِّه، متنوع في موضوعاته، والمتصفِّح لكتاب "الفهرست" لابن النديم وكتاب حاجي خليفة "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" يستطيع أن يرسم صورةً تقريبيةً لما بلغه الإنتاج الفكري العربي الإسلامي من النموِّ والازدهار في مختلف العلوم والفنون التي نبَغَ فيها علماءُ العرب والمسلمين في وقتهم، فقدموا إنجازاتٍ رائعةً في جميع حقول المعرفة؛ مما جعل الأمة الإسلامية أغنى الأمم؛ لما لها من تراث علمي يعجز عنه الحصر.

فقد كان للمسلمين سيلٌ دفَّاقٌ من المخطوطات، وصارَ لكل علم فنونٌ تتبعه وتخصه، ومن أهم تلك المؤلفات التي تكلَّم الكتابُ فيها عن الصناعات الحربية والآلات النارية والمدافع وأنواع الأسلحة وما يخدمها من صناعات، وهذه المؤلفات تمثِّل وثائق التصنيع الحربي الإسلامية، وقد وضع هذا التراث للعسكرية الإسلامية في العصور الوسطى قواعدها وأصولها وصار التأليف العسكري الحربي عِلمًا مستقلاًّ ذا فروع كثيرة، فالباحث في فهارس المخطوطات يجد مؤلفاتٍ تربو على الألف تتعلق بالنواحي العسكرية، ولا تزال هذه المؤلفات حبيسةَ المكتبات العامة في إسطنبول وباريس ولندن وبرلين ولينينجراد والإسكوريال والقاهرة ومعهد المخطوطات العربية وغيرها من المكتبات العامة والخاصة.

ونستطيع أن نؤكد أن هذا الاهتمام الذي أولاه كثيرٌ من الكُتَّاب للتأليف في التصنيع العسكري الحربي جاءَ انطلاقًا من مكانة هذا الجانب في الإسلام وحثّه على التقدم فيه، يقول تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. كما جاء نتيجة حث الإسلام على ضرورة وحتمية الجهاد في سبيل الله، فقد جعل الله تعالى الجهادَ فريضةً ماضيةً إلى يوم القيامة، فجعله ذروة سنام الإسلام؛ لذلك عُني الإسلام بشأن الجهاد والجندية واستنفار الأمة، يقول تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]. كما علمنا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فنون القتال، وأن الخديعة والحيلة أثناء الحروب مطلوبةٌ شرعًا؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لنعيم بن مسعود يوم الأحزاب: "الحرب خدعة". وكذلك رغَّب الصحابي الجليل عمر بن الخطاب في تعليم السباحة وركوب الخيل، وهي من الأسس المهمة المُعِينة على القيام بالمهام العسكرية.

كل هذه الأمور مجتمعة جعلت كثيرًا من المؤلفين يعكفون على استغلال خبراتهم الواسعة في تجديد الروح العسكرية القتالية وابتكار الحِيَل وتطوير المعدَّات والأدوات العسكرية التي تفوَّقوا فيها في فترات قوتهم، هذا على المستوى التسليحي، كما أولوا اهتمامًا كبيرًا بالجندي وتطوير أساليب وفنون القتال لديه، كما اهتموا بشئون الخيل والفروسية والحِيَل العسكرية، مع إدراكهم للعوامل الإيمانية والروحية ودورها الفعَّال مع التفوُّق العسكري في إحراز النصر على أعدائهم وإظهار القوة عليه والظفر به والاحتراس من مكائده.

إن الاهتمام بهذا النوع من التأليف يجعلنا نعرض في هذا الصدد نماذج لمخطوطات ومؤلفات في التراث العسكري تهتم بالشئون العسكرية الإسلامية وكيفية تطويرها؛ ذلك أن استغلال الموروث العلمي من المخطوطات الحربية الإسلامية أصبح في وقتنا الحاضر ضروريًّا ومُلزمًا للكشف عنه والعمل على ترتيبه وتبويبه وتحقيقه وإعداد الفهارس الخاصة به للاستفادة منه، فالاهتمام بهذا التراث وإبراز معالمه مُفيدٌ في إضاءة جوانب مهمة من تاريخنا الحربي العريق وخصائصه الذاتية التي تُميِّزه عن غيره، ويمكن تقسيم هذه المؤلفات إلى ما يلي:

المعدات والآلات الحربية

بدراسة المصادر وما حَوَته من نصوص وموضوعات ورسائل نجد أن المسلمين اهتموا بتصنيع كثير من المعدات الحربية وتطويرها، فهم الذين اكتشفوا مسحوق "البارود"، فقد قدَّم لنا العالِم "مرسييه" نتيجة أبحاث جادة تُثبت معرفة العرب في وقت متقدم بكل ما يتعلق بصناعة البارود، فضلاً عن استخدامه في القذائف التي كانوا يطلقونها في حروبهم مع الصليبيين، وهو ما يؤكده مؤرِّخو الحروب الصليبية، فيذكرون أن الصليبيين كانوا يجهلون تمامًا أسرارَ القذائف النارية التي كان المسلمون يقذفون بها عليهم، وقد وصفوا حالات الذعر والهلع التي كانت تسيطر على جيوشهم من جرَّاء تلك القذائف، وكان مسحوق البارود يتكون من نترات البوتاس والفحم والكبريت، وهو ما أُطلق عليه معجون البارود.

ومن أهم وأقدم المخطوطات الإسلامية التي تفردت بدراسة البارود رسالة بعنوان "الفروسية في رسم الجهاد" لنجم الدين حسن الأحدب المتوفَّى سنة 1294م، وتشتمل هذه الرسالة على إشارات إلى وصفات كاملة اشتملت تركيب هيئة البارود. وهناك مخطوطٌ بعنوان "الحياة والحروب وآلات السلاح وحصار القلاع وصنعة السيف والرمي بالنشاب وعمل البارود"، ويرجع هذا المخطوط إلى سنة 622هـ، وتوجد نسخةٌ منه في مكتبة ليدن تحت رقم 92، ومخطوطٌ بعنوان "اللعب بالبندق" لأبي عبد الله بن إسماعيل بن عبيد الله البغدادي المعروف بابن البقَّال المتوفَّى سنة 588هـ، ومخطوط "رسالة في الرمي بالبندق" لمؤلفه عماد الدين إسماعيل المعروف بابن كثير الحافظ الدمشقي.

كما أنجز لنا إبراهيم بن أحمد غانم بن محمد بن زكريا كتابًا كبيرًا باسم "العزّ والرفعة للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع"، وقد شرع في تأليفه سنة 1631م، ويعتبر أول من نعرفه عالمًا يصنِّف كتابًا يتحدث بشكل تخصصي في المدافع والبارود؛ حيث تحدث عن المدافع البرونزية، وأعطانا دلائل على التحوُّل النوعي في استخدام قذائف المدفعية بصنع قذائف تنفجر فتُسبِّب القتل والحرق أو الإضاءة في القتال الليلي، وتوجد نسخة من هذا المخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 86. ومن المخطوطات المهمة التي تناولت الصنائع الحربية كتاب "الأحكام السلطانية في سياسة الصنائع الحربية" لمؤلفه محمد بن محمود بن الناصري القاهري المتوفى سنة 784هـ/ 1382م، وتوجد نسخةٌ من المخطوط بمكتبة إسطنبول.

المؤلفات الحربية البحرية

صنف المؤلفون المسلمون كثيرًا من المؤلفات التي تهتم بسلاح البحرية الإسلامية، فصنَّفوا في علم الملاحة وفنون البحر وأفردوا للآلات المستعملة في الحروب البحرية والأدوات الضرورية لركوب البحر العديد من المؤلفات، ولا غرْو في ذلك، فقد وضعت الدولة الإسلامية يدَها على شواطئ البحرين الأحمر والمتوسط وكذلك المحيط الهندي والأطلنطي؛ ولذلك عظمت صولتُهم وسلطانُهم عليهم، ولذلك كان لا بُدَّ من إنشاء الأساطيل والسفن البحرية. ومن أهم المخطوطات التي غطَّت جوانب من البحرية الإسلامية كتاب "المترجم الكبير إلى علوم البحر" الذي ألفه أبو معشر المنجم، وكتاب "الرهماني في علوم البحر" تأليف محمد بن شادان.

وهناك من المؤلفات التي خدمت علم البحار خدمات جليلة، كعلم الفلك، فقد ألف كثيرون من علماء الفلك في آلة الأسطرلاب التي تُستخدم في تحديد مسارات السفن، ومن أهم تلك المؤلفات مخطوط "رسالة في عمل الأسطرلاب" تأليف جابر بن حيان الصوفي المتوفى سنة 161هـ، ومخطوط "العمل بالأسطرلاب" لأبي العباس الفضل بين حاتم التبريزي، وقد ألفه للخليفة العباسي المعتضد، وتوجد نسخةٌ منه في مكتبة الإسكوريال تحت رقم 961، ومخطوط "استيعاب الوجوه الممكنة في صنعة الأسطرلاب" لأبي الريحان البيروني، وتوجد نسخةٌ منه في المتحف البريطاني وأخرى بمكتبة المجلس النيابي بطهران.

ومن الآلات التي استُعملت بكثرة في الحروب البحرية المناجيق، وقد كانت تُحمل في سفن الأسطول البحري المسمَّاة الشواني التي كانت تجهَّز بالعدد والآلات وتشحن بالنفطية والأزودة والمنجنيقات وتزوَّد بها القلاع والأبراج. وقد أُلِّف في المناجيق الكثير من المؤلفات، أهمها مخطوط "الأنيق في المجانيق" تأليف ارتبغا الزردكاشي، والذي قدمه للأمير شمس العلاء منكلي سنة 867هـ، ويتألف الكتاب من 109 صفحات، وفيه حوالي خمسمائة رسم، وتوجد نسخة منه بدار الكتب المصرية، ونسخة مصورة بمعهد المخطوطات العربية، وقد طُبع هذا الكتاب في حلب سنة 1985م.

مؤلفات في الحيل الحربية

العسكرية الإسلاميةأدرك المسلمون أهمية الحِيَل ليس في السياسة فقط بل في الحروب أيضًا، والباحث في فهارس المخطوطات يجد الكثير من تلك المؤلفات، منها على سبيل المثال "التذكرة الهروية في الحيل البحرية" تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي المتوفى سنة 611هـ/ 1214م، وتوجد نسخة في دار الكتب المصرية، ونسخة مصوَّرة بمعهد المخطوطات العربية. وكذلك كتاب "الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب" لمؤلفه محمد بن منكلي الشمس المصري، وتوجد منه نسختان بخزانة آيا صوفيا بتركيا ونسخة في متحف ليدن، وأخرى مصورة بمعهد المخطوطات العربية.

وهناك من المؤلفات التي تحدثت عن فنون الحرب الكثير، ومنها مخطوط "فن الحرب" لمؤلفه محمد بن منكلي، وهو يتحدث عن سياسة الصنائع الحربية، ومخطوط "تفريج الكروب في تدبير الحروب" لأبي عبد الله محمد بن محمد الرشيدي والمحفوظ بمعهد المخطوطات العربية، وكتاب "كشف الكروب في معرفة الحروب" لمؤلفه عماد الدين موسى بن محمد اليوسفي المصري سنة 759هـ، وقدمه للملك الظاهر جقمق، وتوجد نسخةٌ منه في المتحف الحربي بالقاهرة.

وقد تناولت هذه المؤلفات الأمور التي يجب أن يلم بها الجنود المسلمون في المواقف المختلفة وبالأسلحة المختلفة؛ حتى يكون الجندي عند شدائد الأمور -كما يذكر ابن منكلي في كتابه "الحيل في الحروب"- أروغ من ثعلب، وأثقف من هر، وأشد احتراسًا من سلحفاة، وعند فرصته أخطف من باز خطوف. كما تحدثوا عن التدريبات المختلفة التي يجب أن يتدرب عليها الجنود، والحِيَل التي يجب أن يلمَّ بها المقاتل؛ حتى يتمكن من أن يقيَ نفسه من جميع الضربات، كما تحدث هؤلاء الكتَّاب عن المواقف المختلفة التي تواجه المقاتل أثناء القتال، والحِيَل التي يمكن بها التخلص من تلك المواقف الحرجة، فيقول ابن منكلي في كتاب الحيل في الحرب، مخاطبًا الجنود: عليك أن يكون نظرك إلى العدوِّ، وإياك أن تشغل قلبك وبصرك لغير سلاح عدوك ووجهته.

مؤلفات عن الخيل والفروسية

لم يغفل الكتَّاب الحديث عن الخيل وما يؤدي إلى قيامه بمهامه على أكمل وجهٍ لاعتماد الحروب في العصور الوسطى عليه، ومن أهم المؤلفات التي تحدثت عن الخيل والفروسية مخطوط "صفة السرج واللجام" لأبي بكر محمد بن الحسن الأزدي المتوفى سنة 1345هـ وقد طُبع في لندن سنة 1859م، وكتاب "تميمة الأجياد في الصافنات النجباء الجياد" لمؤلفه القادري عبد القادر بن عربي، ومخطوط "النفحات المسكية في صناعة الفروسية" لمؤلفه السيد أحمد الحموي الحنفي المتوفى سنة 1142هـ/ 1729م، وقد حقَّقه عبد الستار القرغولي ببغداد سنة 1950م.

التعبئة والشئون المعنوية

الباحث في فهارس المخطوطات يجد الكثير من تلك المؤلفات التي تقوم بالجانب التعبوي والتعبئة تضم الجنود والقادة، ومن أهم المؤلفات التي عالجت هذا الجانب مخطوط "التدبيرات السلطانية في سياسة الصنائع الحربية" لمحمد بن محمود بن منكلي، ولا نستطيع أن نغفل الجانب الإيماني والتعبئة الروحية للجنود مثلاً في الحثِّ على الجهاد، فهذا الجانب لا يقل أهميةً عن المجال العسكري. ونذكر من هذه المؤلفات كتاب "الجهاد" للعلامة المجاهد السلمي أبو الحسن علي بن مسلم الدمشقي، وهو من محدِّثي دمشق الذي شهد أواخر عمره دخول الصليبيين بلاد الشام، والكتاب مقسَّمٌ إلى اثني عشر جزءًا، ذكر فيه معارك الإسلام الأولى ودور المجاهدين، مع ذكر الآيات والأحاديث النبوية التي تحضُّ على الجهاد وتُبين مكانة المجاهدين.

وهناك مخطوط بعنوان "أربعون حديثًا في الحث على الجهاد" لمؤلفه ابن عساكر، الذي أراد من خلاله تعبئة الأمة للجهاد ضد الصليبيين، والمخطوط محفوظ بمكتبة الأسد بدمشق. وكذلك مخطوط بعنوان "تحفة المجاهدين في العمل بالميادين" محفوظ بمكتبة إكسفورد لمؤلفه لاجين بن عبد الله الذهبي الحسامي الطرابلسي، وتوجد نسخةٌ منه في متحف برلين، وأخرى بمعهد المخطوطات العربية.

هذه لمحة من تراث حضارتنا الإسلامية، نأمل أن نكون قد وجَّهنا النظر لهذا الجزء المهمل منها.

حقوق المرائه فى الاسلام

د. راغب السرجاني
استوصوا بالنساء خيراأحاط الإسلام المرأة بسياج من الرعاية والعناية، وارتفع بها وقدَّرها، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة ابنةً وزوجةً وأختًا وأُمًّا، فقرَّر الإسلام أوَّلاً أنَّ المرأة والرجل خُلِقَا من أصل واحد؛ ولهذا فالنساء والرجال في الإنسانيَّة سَوَاء، قال تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]. وهناك آيات أخرى كثيرة تُبَيِّن قضاء الإسلام على مبدأ التَّفْرِقَة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانيَّة المشترَكة.

مكانة المرأة في الإسلام

وانطلاقًا من هذه المبادئ، وإنكارًا لعادات الجاهليَّة والأمم السابقة فيما يخصُّ وضع المرأة، جاء الإسلام يدافع عن المرأة ويُنزلها المكانة التي لم تبلغها في ملَّة ماضية، ولم تُدْرِكْها في أُمَّة تالية؛ حيث شرع لها -كأمٍّ وأخت وزوجة وابنة- من الحقوق منذ أربعةَ عَشَرَ قرنًا، ما تزال المرأة الغربيَّة تُصارِع الآن للحصول عليه، ولكن هيهات!

فَقَرَّرَ الإسلام بدايةً أن النساء يُماثِلن الرجال في القَدْر والمكانة، ولا يَنْتَقِصُ منهنَّ أبدًا كونُهنَّ نساء، وفي ذلك قال الرسول يؤصِّل لقاعدة مهمَّة: "إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"[1]. كما ثبت عنه أنه كان دائم الوصيَّة بالنساء، وكان يقول لأصحابه: "... اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"[2]. وتكرَّرت منه هذه النصيحة في حجَّة الوداع وهو يخاطب الآلاف من أُمَّته.

مكانة المرأة في الجاهلية

وإذا ما أردنا أن نتبيَّن ما أصَّله الإسلام وما جاء به من دعائم لرفعة المرأة وتكريمها، فيهمُّنا أن ندرك أوَّلاً مكانة المرأة في الجاهليَّات القديمة والمعاصرة[3]؛ لنرى الظلام الحقيقي الذي عاشته، والذي ما زالت تعيشه، ومن ثَمَّ يتبيَّن لنا حقيقة وضع ومكانة المرأة في ظلِّ تعاليم الإسلام والحضارة الإسلامية.

فإذا كان العرب -كما مرَّ بنا في الباب الأول- يَئِدُون بناتهم فيحرمونهن حقَّ الحياة، إذا بالقرآن الكريم يتنزل يُجَرِّم ويُحَرِّم ذلك الفعل؛ حيث قال الله : {وَإِذَا الْـمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]، بل وجعله النبي من أعظم الذنوب؛ فعن ابن مسعودٍ t أنه قال: سألتُ رسول الله : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قال: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ". قلت: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ". قال: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ"[4].

حقوق المرأة في الإسلام

فالأمر في الإسلام لم يقف عند الحفاظ على حقِّ المرأة في الحياة فقط، وإنما رغَّب الإسلام في الإحسان إليها صغيرة؛ فقال الرسول : "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ"[5].

ثم أمر الرسول بتعليمها فقال: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا.. فَلَهُ أَجْرَانِ"[6]. وكان يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى[7].

وما أن تشِبَّ البنت وتصير فتاة بالغة؛ حتى يُعْطِيَها الإسلام الحقَّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوِّز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده، وقد قال في ذلك الرسول : "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"[8]. وقال أيضًا: "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: "أَنْ تَسْكُتَ"[9].

ثم لمَّا تصير زوجةً يحثُّ الشرع الحنيف على حُسْن معاملتها وعشرتها؛ مبيِّنًا أن حُسْن عِشْرَة النساء دليل على نُبْل نفس الرجل وكريم طباعه، فيقول الرسول -مثلاً- مرغِّبًا: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْـمَاءِ أُجِرَ" [10]. ويقول مرهبًا: "اللَّهُمَّ، إِنِّي أُحَرِّجُ[11]حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْـمَرْأَةِ"[12].

وقد كان الرسول قدوة عملية في ذلك؛ فكان في غاية الرقَّة واللُّطف مع أهله، يروي في ذلك الأسود بن يزيد النخعي، فيقول: سألتُ عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي يصنع في أهله؟ قالت: "كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ[13]، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، قَامَ إِلَى الصَّلاةِ"[14].

وإذا ما كرهت الزوجة زوجها ولم تُطِق الحياة معه، فقد سنَّ لها الإسلام حقَّ مفارَقة الزوج، وذلك عن طريق الخُلْعِ؛ فعن ابن عباس t قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي فقالت: يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دِينٍ ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر. فقال رسول الله : "فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" فقالت: نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها[15].

وإضافةً إلى ما سبق، فقد أثبت الإسلام للمرأة ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا كالرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب، ولا حِجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].

ولما أَجَارَتْ أُمُّ هانئ بنت أبي طالب رجلاً من المشركين، وأبى أخوها عليٌّ t إلاَّ أنْ يقتله، كان قضاء الرسول في هذه الحادثة قوله: "أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"[16]. فأعطاها الحقَّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين.

وهكذا تعيش المرأة المسلمة عزيزة أبيَّة كريمة مصونة في ظِلِّ تعاليم الإسلام، وفي ظِلِّ الحضارة الإسلامية السامية.

الأربعاء، 7 مارس 2012

الإسراء والمعراج .. دروس وعبر

الشيخ عبد المجيد ريحان
الإسراء والمعراجالحمد لله الذي اقتضت حكمته إرسال الأنبياء مؤيَّدين بمعجزات لتكون تصديقًا لهم فيما يبلغون من رسالاته، ‏والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب المعجزات الخالدات، ‏كرمه ربه برحلة لم يسبق لبشرٍ أن قام بها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. وصعد به إلى السموات العُلا إلى سدرة المنتهى {‏وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 13-18].

الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج

‏أولاً: توالت على رسول الله قبيل حادثة الإسراء والمعراج الحوادث والأزمات الكثيرة، فإلى جانب ما كان يلاقيه من عنتٍ وعذاب الكفار له وتصديهم لدعوته وإنزال الأذى والضرر به وبمن تبعوه، فَقَد نصيرًا وظهيرًا له هو عمه أبو طالب، وكذلك فَقَد شريكة حياته وحامية ظهره السيدة خديجة التي كانت له السند والعون على تحمُّل الصعاب والمشقات في سبيل تبليغ دعوته السامية، فكلاهما مات قبيل حادثة الإسراء والمعراج؛ ولذا سمي هذا العام "عام الحزن"[1]. ومن هنا كان إنعام الله على عبده ورسوله محمد بهذه المعجزة العظيمة؛ تطييبًا لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه... ثم ليشهد فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المشاهد.

‏ثانيًا: ولما كان الإسراء وكذلك المعراج خرقًا لأمور طبيعيَّة ألفها الناس، فقد كانوا يذهبون من مكة إلى الشام في شهر ويعودون في شهر، لكنه -أي: رسول الله ذهب وعاد وعرج به إلى السموات العلا، وكل هذا وذاك في جزء... فكان هذا شيئًا مذهلاً، أي أنه كان امتحانًا واختبارًا للناس جميعًا، وخاصة الذين آمنوا بالرسالة الجديدة، فصدَّق أقوياء الإيمان وكذَّب ضعاف الإيمان. وهكذا تكون صفوف المسلمين نظيفة، ويكون المسلمون الذين يُعِدُّهم الله للهجرة أشخاصًا أتقياء أقوياء، لهم عزائم متينة وإرادة صلبة؛ لأن الهجرة تحتاج لأناس ‏تتوفر لديهم هذه الصفات.

‏ثالثًا: لقد كان الصعود من بيت المقدس ولم يكن من مكة، ذا دلالات، إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره؛ وذلك لأنه الدين الخاتم الشامل الجامع الذي ارتضاه الله للناس كافة على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، وشعوبهم، ولغاتهم.

‏رابعًا: يعتبر فرض الصلاة بهيئتها ‏المعروفة وعددها وأوقاتها اليوميَّة المعروفة على المسلمين في رحلة المعراج دليلاً على أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي معراجه الذي يعرج عليه إلى الله بروحه، وأنها الوقت الذي يناجي العبد فيه ربه، ويبث إليه ما يرنو إليه. فالصلاة إذن عماد الدين؛ من تركها وأهملها فكأنه هدم دينه وأضاعه.

‏ونشير إلى أنه لا نستطيع إحصاء ما للإسراء والمعراج من حكم وفضائل، وإنما سقنا ما أفاء الله به علينا، وعرضناه بإيجاز.

‏والإسراء والمعراج من المعجزات العظيمة التي جرت في الإسلام، ولنا نحن المسلمين دروس وعبر نستنبطها من تلك المعجزة العظيمة أهمها:

‏الدرس الأول: الاطلاع على قدرة الله I:

‏إن القدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير، لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء، وإعادته إلى الأرض، في رحلة ربانية معجزة لا يدري كيفيتها بشر؛ فالإسراء: آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر؛ ولهذا ‏فقد أثار كفار قريش حوله جدلاً طويلاً، وتساؤلات كثيرة. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه، وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك، قادر على استبدالها بغيرها عندما يريد ذلك.

الدرس الثاني: الاطلاع على بدائع صنع الله:

‏عندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير، قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.

‏الدرس الثالث: الإسراء والمعراج معجزة عظيمة من معجزاته :

‏لقد أكرم الله نبيه محمدًا برحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، فقد شاهد من آيات ربه ما لا يمكن لبشر أن يراه إلا عن طريق العون الإلهي، ووصل إلى مستوى يسمع فيه كلام الله تعالى الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر، فقد منحه الله في هذه الرحلة عطاءً روحيًّا عظيمًا؛ تثبيتًا لفؤاده، ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس إلى طريق الحق والهداية.

‏الدرس الرابع: التأييد الإلهي:

‏في صباح تلك الليلة المباركة أخبر الرسول أم هانئ بما حدث له في هذه الليلة، فتوجهت إليه بالرجاء أن لا ‏يحدِّث بذلك أحدًا؛ حرصًا عليه أن تناله ألسنة أهل مكة بسوء، وهي تعلم عنادهم، وأنهم لن يتركوا فرصة للتشهير به إلا انتهزوها. ولكن رسول الله أَبَى إلا أن يصدع بالحق؛ لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ، وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها.

ولما أخبر الرسول قومه بخبر الإسراء، كذَّبوه وشككوا في قوله، وتحدوه أن يثبت صدقه إن كان صادقًا، وراحوا يسألونه: صِفْ لنا بيت المقدس. قال : "دخلت فيه ليلاً وخرجت منه ليلاً". وحينئذٍ أتاه جبريل بصورته، فجعل ينظر إليه ويخبرهم؛ فعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول: "لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ"[2]. وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه، فقد أُحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أُحضر إليه، وما ذاك في قدرة الله بعزيز[3].

‏الدرس الخامس: فضل وأهمية الصلاة:

‏لقد فرضت الصلاة من بين أركان الإسلام في السماء السابعة، فأصبحت الركن الثاني من أركان الإسلام، وفي هذا دليل على أهمية هذه الرحلة العظيمة وأهمية الصلاة، وعظمها في الإسلام؛ ولذلك شدّد الإسلام عليها كل التشديد، وأمر بالقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض، وأصبحت قُرَّة عين النبي ؛ فعن أنس t قال: قال رسول الله : "... وجُعِل قُرَّة عيني في الصلاة"[4]. وكان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، فعن حذيفة قال: "كان النبي إذا حزبه أمر صَلَّى"[5].

‏وكتب عمر بن الخطاب t إلى عُمَّاله فقال: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع"[6]. ‏وفي هذا حض على الاهتمام بأمر الصلاة وتخصيصها بمزية من المراعاة؛ لأنها إن قُبلت منه نُظر في سائر أعماله ونفعه ما عمل من غير ذلك من أعمال البر، وإن لم تُقبل لم ينفعه شيء من عمله ولم يُنظر له فيه[7].

‏الدرس السادس: فضل ومكانة سيدنا محمد :

‏حيث صعد به رب العزة والجلالة إلى مكان عظيم لم يبلغه أحد من البشر قبله ، حيث عرج به إلى السموات السبع، وتخطاهن حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه رب العزة والجلالة.

‏الدرس السابع: شجاعة الرسول :

‏ويتضح ذلك عندما أخبر قريشا أنه أُسري به إلى بيت المقدس وعاد في نفس الليلة، ولم يتأخر ولم يتردد مع علمه بعناد كفار قريش، وعدم تصديقه في هذا الأمر العظيم حيث لا يمكن تخيل أن يتمكن بشر من الذهاب إلى بيت المقدس والعودة في نفس الليلة فيما كانوا يستغرقون في هذه الرحلة شهرين؛ شهرًا في الذهاب وشهرًا للعودة.

‏الدرس الثامن: عموم رسالته :

‏لقد ثبت في الروايات المتعددة أن رسول الله صلى بالأنبياء إمامًا في بيت المقدس في ليلة الإسراء والمعراج، وفي هذا دلالات منها أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد ، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسئولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

‏الدرس التاسع: الاستفادة من الخبرات السابقة:

‏ويتضح لنا ذلك من خلال استجابة سيدنا رسول الله لنبي الله موسى بالمراجعة في أمر الصلوات: "... وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ".

‏الدرس العاشر: الإسلام دين الهداية والفطرة:

‏من أحداث تلك الليلة المباركة أن رسول الله قد اختار إناء اللبن وشرب منه، جاء في الحديث أن جبريل u قال له عندما أخذ اللبن: "هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ"[8]. قال ‏القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة؛ لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي إليه دون غيره؛ لكونه كان مألوفًا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة[9]. وفي رواية: "هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ"[10].

‏إن سلامة الفطرة هي لب الإسلام؛ لأن عقيدته وشريعته وأحكامه كلها تتناسب مع مقتضيات الفطرة التي خلق الله الناس عليها، قبل أن تدنسها الشهوات والأطماع والأغراض الذاتية، وقد وصف الله هذا الدين بأنه دين الفطرة في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

‏الدرس الحادي عشر: تعليم سيدنا محمد بالمشاهدة والنظر:

‏وذلك ليكون درسًا عمليًّا يتعلم فيه الرسول بالمشاهدة والنظر، ولقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى، وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها إلا بضرب من التخيُّل، فأنَّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حُبس عنا الكثير من العلم، وما أوتينا منه إلا قليلاً، قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]. والله قد أعطى كل نوع من مخلوقاته علومًا تتوافق مع استعداده وفطرته، ‏ومهمته في هذا الكون.

‏الدرس الثاني عشر: أصل الدين واحد هو التوحيد:

‏إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه؛ ‏ليُعلموهم أن الله وحدح هو المستحق للعبادة، قال تعالى: {‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. وهذا يعني أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة في مناسبات عدة، منها: قوله عن نبي الله يونس "أخي كان نبيًّا، وأنا نبي"[11].

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله : "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ"[12]. والعَلات بفتح المهملة: الضرائر. وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها. والعلل: الشُّرب بعد الشرب. وأ‏ولاد العلات: الإخوة من الأب[13]. أي أن شرائعهم متعددة، وأصل الدين واحد هو التوحيد. وجاءت ليلة الإسراء والمعراج تؤكد المعنى السابق، فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم السلام ترحيبًا بسيدنا محمد حين استقبلوه في السموات العُلا هي: "مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ"[14].

‏نسأل الله أن يرزقنا حسن الاقتداء بنبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: مجلة منار الإسلام، عدد يوليو 2009م.

‏وصايا الرسول للصناع والعمال

أنس محمد قصار
اتقان العملقيّد الإسلام الحركة الصناعية بجملة من الضوابط والآداب التي تضفي على الصنعة بُعدًا أخلاقيًّا، إلى جانب ضمان الجودة والإتقان، من ذلك:

‏ضرورة إتقان الصنعة:

‏إنَّ ما يطلب من الصانع في أي مجال هو فيه أن يعمل بما علّمه الله تعالى عمل إتقان وإحسان بقصد نفع الخلق، ولا يصح أن يعمل على نيَّة أنه إن لم يعمل ضاع، ولا أن يربط إخلاصه في العمل بمقدار ما يتقاضاه من الأجر، بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة، قال : "إنَّ الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"[1]؛ أي يُحكِمه.

‏المراقبة والمتابعة:

‏إنَّ أفضل الصناعات ما كان على عين صاحبها، يتابع مراحل تصنيعها، ويراعي مكامن الجودة فيها، لتُقدَّم للناس على أحسن ما يكون، أمَّا عندما يترك حبل الصناعة على غاربه، تكون المادة المصنعة مظنّة للخلل والفساد، وفي القرآن الكريم إشارة لطيفة إلى هذا المعنى، حيث قال الله تعالى في قصة موسى u: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]. فـ(العَين) في الآية مجاز في المراعاة والمراقبة[2].

‏الالتزام بالمواعيد:

‏الالتزام بالعهد سمة المسلم، لكنّ بعض الصناع كثيرًا ما يعصون الله في المماطلة بالمواعيد، فيرتبطون بعقود مع الناس لا يقدرون على الوفاء بها، وإنما من باب حجز هذه العقود لصالحهم، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. فلا ينبغي للصانع أن يَعِد الناس بما لا يقدر على وفائه.

‏عدم كتمان العيوب:

‏لقد أذن الشارع بأن تصنّع مختلف أنواع الصنعة، لكنه لم يأذن للصانع بأن يكتم عيبًا يعلمه، بل هدّد كاتم العيب بالمقت واللعن، قال رسول الله : "مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنَ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تَلْعَنُهُ"[3].

‏عدم الحلف الكاذب:

‏يخطئ كثير من الصناع عندما يتبرعون بحلف الأيمان لحاجة ولغير حاجة؛ من أجل ترويج صناعاتهم، وقد قال رسول الله : "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ...، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً)"[4]. وإنما خصّ النبي وقت العصر؛ لأنه الوقت الذي يريد فيه البائع أن ينفق سلعته، فيفتري الكذب ويستهين باسم الله، فيستهين الله به يوم القيامة.

‏عدم سرقة جهود الناس:

‏من أخطاء الصناع أيضًا أنهم يعصون الله في سرقة جهود الآخرين، وقد أصبحت هذه الحقوق جزءًا من القانون الوضعي، وهو ما يسمى اليوم (براءة الاختراع)، ويندرج تحته أيضًا حقوق التصنيع وحقوق النشر.. وقد سبق الإسلام إلى ذلك، فقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85]. وقال رسول الله : "مَنْ سَبَقَ إلى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ"[5]. وهذا حكم بالبراءة للمخترع، وبالصنعة للصانع والمبتكر.

‏عدم ظلم الأُجراء:

‏من أخطاء الصناع أيضًا ظلم الأجراء، وهو باب يتفنَّن فيه ‏كثير من أرباب الصناعة.. فيدخلون على أموالهم ما ينبغي أن يُردَّ على أجرائهم، فيقعون بالشبهة والحرام، وقد قال : "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"[6]. وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: "قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتوفي مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"[7].

وبعد، فإنَّ اهتمام الإسلام بقضية التصنيع شكَّل فيما مضى حافزًا قويًّا لدى المسلمين نحو العمل والإبداع والتطور حتى كان لهم -في مرحلة زمنية معينة- قصب السبق في الميدان الصناعي.

‏على أن تراجع المسلمين صناعيًّا في العصور المتأخرة لا يعني عجزهم وعدم كفاءتهم عن مضارعة الدول الصناعية؛ فالمسلمون يملكون الإمكانات البشرية والفكرية والمهاريَّة اللازمة لبلوغ ذلك، ولئن كان د‏افع الصناعيين في العالم هو -على الأغلب- ماد‏ي، فأمامنا فرصة لكي نندفع نحو التصنيع الإبداعي بدافع إضافي، وهو: الدافع الديني؛ إذ مِن نعمة الله علينا أن جعل سعي المؤمن وعمله ونشاطه مدخورًا له عند ربه، يُؤجر عليه في الآخرة إذا ابتغى بذلك نفع نفسه وعياله ومجتمعه.

‏وآخر د‏عوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر: مجلة (منار الإسلام) - عدد فبراير 2011م.

قصة أصحاب الغار

قصة أصحاب الغارعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ، أَخَذَهُمُ المَطَرُ، فَأَوَوْا إلى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ. قَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ، فَرَأَوُا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ مِنْهَا، فَأَبَتْ عَلَيَّ حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَبَغَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفْتَحِ الخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً. فَفَرَجَ. وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ. فَقُلْتُ: اذْهَبْ إلى ذَلِكَ البَقَرِ وَرُعَاتِهَا، فَخُذْ. فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ. فَأَخَذَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ"[1]. وفي رواية: "فخرجوا يمشون".

هذا حديث من أحاديث رسول الله عليه السلام، تتفتق فيه المعاني والإشراقات لتشكل معنى واحد وطريقًا واحدًا هو صلاح الناس.

فحديث أصحاب الغار قد لا يذكره الذاكرون إلا في معرض الحديث عن الإخلاص وجواز التوسل بصالح الأعمال، لكن النظر فيه بعين البصيرة والاعتبار.. يفجر فيه معاني ليست كالمعاني، وإشراقات ليست الإشراقات.

ففي رحلتي مع هذا الحديث رحلت إلى عالم تترنم فيه ألحان من الجنة تنادي.. هذه حلول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمشاكلكم.

فكانت خلال هذه الرحلة هذه الفوائد:

الفائدة الأولى:

إن أقل الجمع في اللغة هو الثلاثة، لذلك فإن هؤلاء الثلاثة يمثلون المجتمع الإسلامي بأقل تجمعاته. ولو سألنا أنفسنا لو أن واحدًا من هؤلاء الثلاثة لم يكن عنده عمل صالح يرقى إلى قبول الله عز وجل، فما الذي يستفيده الآخران؟

نعم.. إن تكامل العمل الصالح بين أفراد الأمة هو السبيل الوحيد الذي سيزيل الصخرة الجاثمة على صدر الأمة.

نحن نسمع إلى الناس ينادون بالتكامل الاقتصادي والاجتماعي والتجاري... لكن الإسلام دعا إلى التكامل في العمل الصالح؛ لأنه الخيرية بذاتها، إذ إنه الركيزة الأساسية لباقي التكاملات.

وفي غزوة أحد، هذه الغزوة التي نزلت فيها آيات تتلى إلى آخر الزمان في هذه الغزوة مخالفة شرعية واحدة (ترك الرماة لمواقع على الجبل)، هذه المخالفة الشرعية كانت سببًا في الهزيمة، على الرغم من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان بين صفوف المقاتلين!

هذه مخالفة واحدة.. فكم من المخالفات الشرعية في شخصية كل مسلم وفي بيته وحيه ومجتمعه؟!

فلا بد من تكامل العمل الصالح بين أفراد الأمة؛ حتى ينظر الله إلينا بعين فرجه. ومن هنا تكون المسئولية على كل فرد بتأدية واجباته؛ من أجل أن ينال حقوقه فيما بعد.

2- الفائدة الثانية:

في قصة النفر الأول الذي وقف على رأس والديه حتى استيقظا إشكالية تستدعي التساؤل التالي: إن هذا الفعل الذي فعله، ليس فرضًا ولا واجبًا، ومع ذلك فهو ارتقى لأنْ يقبله الله عز وجل، ويفرج عنهم بسببه، ولو أن هذا الرجل اكتفى بأن احتفظ لوالديه بنصيبهما من الغبوق لكفاه ذلك، ولما دخل في دائرة الحرج.

فما هو الشيء الذي ارتقى بهذا العمل إلى هذه الدرجة من القبول؟! إن هذا ما يسمى بالشعور بالتأنق، وهو أن يلزم الإنسان نفسه بأمر (طبعًا له أصل في الشريعة)، ومهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف فإنه يحافظ عليه، وهذه المحافظة هي التي جعلت عمل ذلك الإنسان يرقى للقبول من الله عز وجل.

وكل مسلم يستطيع أن يجعل ذلك في حياته، فيتصدق بصدقة ويحافظ عليها، ويصلي صلاة ويحافظ عليها. وبالتالي تتحول هذه المحافظة إلى درجة عالية من القبول، وهذا مصداق الحديث "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".

3- الفائدة الثالثة:

في قصة النفر الثاني جريمة اجتماعية كبيرة، هذه الجريمة هي التي دفعت بالفتاة أن تتنازل عن أغلى ما تملك.. إنها جريمة الفقر التي حاربها الإسلام محاربة لا هوادة فيها، بل جعل هذه المحاربة من أهدافه الأساسية.

وما الزكاة وما الصدقات والكفارات والنذور في وجه من وجوهها إلا لتحسين وضع الفقراء في الأمة، ودفع غوائل الفاقة عنهم.

إن سقوط أي فقير في المحظورات يشاركه في الإثم أغنياء الأمة؛ لأن الله فرض في أموالهم ما يسع فقراءهم. وإن تقصير الأغنياء هو الذي أوصل الحالة الاقتصادية الإسلامية إلى ما هي عليه في هذه الأيام.

4- الفائدة الرابعة:

كل واحد من هؤلاء النفر الثلاثة، كان له موقع.. فالنفر الأول يمثل علاقة الفرد مع محارمه وأقاربه، والنفر الثاني يمثل علاقة الفرد مع غير محارمه، والنفر الثالث يمثل علاقة الفرد مع ربِّ عمله وعلاقة رب العمل مع عامله.

وهذه العلاقات تمثل بمجملها مجمل العلاقات الاجتماعية في المجتمع، وقد وضع هؤلاء الثلاثة ثلاثة من الأخلاق المطلوبة في كل جهة من هذه العلاقات.. والمجتمع يحتاج إلى هذه الصفات الثلاثة وهي: البر، والتعفف، والأمانة.

فإذا كانت العلاقات مع الأقارب والأرحام يلفها البر والرحمة، والعلاقات الاجتماعية الأخرى يلفها التعفف والخوف من الله، والعلاقات المادية والتجارية تلفها الأمانة. فأيُّ مجتمع هذا المجتمع! وأي علاقات هذه العلاقات! وكأنها بهذه الصفات سمت في أعلى درجات المدنية، وتبوأت أعلى مراتب الكمال.

5- الفائدة الخامسة:

إن الدعاة إلى الله -عز وجل- يجب أن لا ييئسوا من أي إنسان، مهما كبرت وعظمت معاصيه.. ولعل النفر الثاني يعطي مثالاً للمنغمس في المعصية والمخطط لها.. ولكنه بعد هذا التخطيط وهذا الإصرار، في لحظة من لحظات الحياة ولحظة من لحظات الوقوف مع الذات.. ترك كل شيء.. ولا لشيء إلا لله رب العالمين.

إن اليأس من أي إنسان مخالف للشريعة الغراء، ولنهج سيدنا محمد عليه السلام. ولعل اليأس من أي إنسان في حقيقة من حقائقه، ووجه من وجوهه - فقرٌ بما لدى الدعاة من أساليب، وشح بما لديهم من إمكانيات، وكما يقول إقبال: "هناك من أهل الحرم من جفا الحرم؛ ذلك لأن حادي الركب لم يجد الكلام الذي يسحر به القلوب".

6- الفائدة السادسة:

إن من أهم فوائد هذا الحديث -وكما قال النووي رحمه الله- وكما هو واضح في آفاق الحديث، جواز التوسل بصالح الأعمال عند وقوع المسلم في ضيق وفي حرج.

إلهي! بحثت عن عمل صالح أتوسل به إليك فلم أجد إلا محبتك ومحبة رسولك، فاجعل هذا العمل الصالح منقذًا لنا من كربات الدنيا والآخرة.. آمين.

الثلاثاء، 6 مارس 2012

شاهد بالصور - اغرب حدود في العالم

بإمكانك شرب فنجان من الشاي او القهوه في هولندا NL

وبلجيكا B في نفس الوقت




هذا الرجل في اسبانيا ويحتاج فقط لإجتياز هذا الشق
في الصخره ليكون في البرتغال





احدى المزارع نصفها في اسكتلند والنصف الاخر في انجلترا




دول مايعرف بالمثلث الذهبي




المبنى بالاعلام الحمراء ( المغرب ) و المبنى بالاعلام
الاخضر والابيض ( الجزائر )





امراه في المانيا تقف بجانب العلامه الفاصله بينها وبين الحدود التشيكيه والنمساويه




جسر صغير يفصل بين اسبانيا وفرنسا




خط لايتجاوز عرضه 10 سم يفصل بين الاخوه الاعداء
الهند وباكستان





جدار اسمنتي يفصل بين أغنى دوله في العالم وواحده من افقر دول العالم




طريق ابيض من الجليد يفصل بين الجارين كندا وامريكا




يقال بان هذه اجمل صوره لعلامه حدوديه بين 3 دول




رجل يبتسم للكاميرا . لتواجده في 4 ولايات امريكيه في نفس الوقت




الخط الفاصل بين قارة آسيا واروربا في روسيا




علامه حدوديه مؤلمه لكل مسلم . عماره سكنيه تفصل بين منطقة المسلمين
والكروات في البوسنه والهرسك . ويلاحظ ان جزء البنايه في المنطقه الكرواتيه
تم ترميمه بينما الجزء في منطقة المسلمين باقي على وضعه بعد الحرب














ما هي عاصمة الجزائر؟



عاصمة الجزائر هي الجزائر وهي أكبر المدن في البلد العربي الأفريقي وهناك احصائيات تقول إن عدد سكانها سيصل إلى 5 مليون مع نهاية عام 2...

اغرب قصه شعر فى العالم


خطر

                                                                تحتوي العلبة الواحدة على ما يعادل 10 ملاعق سكر كافية لتدمير فيتامين ( ب ) والذي يؤدي نقصه إلى سوء الهضم وضعف البنية و الاضطرابات العصبية والصداع والأرق والكآبة والتشنجات العضلية .


- كما تحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى حرمان المعدة من الخمائر اللعابية الهامة في عملية الهضم وذلك عند تناولها مع الطعام أو بعده وتؤدي إلى إلغاء دور الأنزيمات الهاضمة التي تفرزها المعدة وبالتالي إلى عرقلة عملية الهضم وعدم الاستفادة من الطعام .


- تحتوي على الكافيين الذي يؤدي إلى زيادة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم والسكر وزيادة الحموضة المعدية وزيادة الهرمونات في الدم مما قد يسبب التهابات وتقرحات للمعدة كما يعمل على أضعاف ضغط صمام المريء السفلي والذي بدوره يؤدي إلى ارتداد الطعام والأحماض من داخل المعدة إلى المريء مسببا الألم والالتهاب .

- كما تحتوي على أحماض فسفورية تؤدي إلى هشاشة وضعف العظام وخاصة في سن المراهقة مما يجعلها أكثر عرضة للكسر .

- تحتوي على أحماض الفوسفوريك والماليك والكاربونيك التي تسبب تآكل طبقة المينا الحامية للأسنان . - تحتوي على المحليات الصناعية التي تهدد المخ وتؤدي إلى فقدان الذاكرة التدريجي وإصابة الكبد بالتليف . - الكالسيوم المذاب يتراكم في العروق ، خلايا الجلد ، الأعضاء الحيوية ، مما يؤثر في وظائف الكلى ويسبب حصوة الكلية .

- المشروبات الغازية لا توفر للجسد أي فائدة غذائية ، بل تحتوي على المزيد من السكر والأحماض بالإضافة للمواد الحافظة والملونة .

- بعض الأشخاص يفضل تناول مشروب غازي بارد بعد وجبة الطعام . هذا التصرف يؤثر على عمل الأنزيمات الهاضمة حيث أنه يخفض درجة الحرارة فتفقد الأنزيمات الهاضمة قدرتها على العمل حيث أن درجة حرارة الجسم الطبيعية هي الدرجة المناسبة لعمل الأنزيمات ، فلا تهضم الطعام جيدا مما يؤدي إلى تكون الغازات وبعض أنواع السموم التي تنتقل مع الدم إلى خلايا الجسم وقد تؤدي في النهاية إلى العديد من الأمراض .

- إنك عندما تشرب المياه الغازية فإنك تبتلع كميات من ثاني أكسيد الكربون .

- وضع أحد الأشخاص سناً مكسوراً داخل زجاجة بيبسي وخلال عشرة أيام فقط كانت السن قد تحللت !!!

- الأسنان والعظام آخر ما يتحلل من جسم الإنسان بعد موته بعدة سنوات ولكن هذه المياه الغازية تذيبه خلال أيام قليلة ، فتخيل ماذا يمكن أن تفعله في باق الخلايا الطرية .....

الاثنين، 5 مارس 2012

google crome 1miilion

Google announced that will pay 1 million dollar for anyone can attack google chrome the huge browser in internet . they also announced about 20,000 dollars for anyone get an error in it's browser.

الأحد، 4 مارس 2012

ماهي أقوى دولة في العالم إقتصادياً ؟








 الإجابة عن هذا السؤال سهلة وليست معقدة كما يظن البعض
أقوى دولة في العالم إقتصادياً هي
 الولايات المتحدة الأمريكية
حيث يصل الناتج المحلي الإجمالي ل14,6 ترليون دولار
ولكن الإقتصاد الأمريكي في تراجع مستمر مقارنة مع الإقتصاد الصيني
صاحب المركز الثاني حالياً ب10 ترليون دولار
الذي يعرف إرتفاعاً مستمراً لذا فمن المتوقع أن يصبح الإقتصاد الصيني
أكبر إقتصاد عالمي بعد سنوات قليلة
وفي مايلي الترتيب (الإحصائيات لسنة 2011 ) :

قائمة المدونات الإلكترونية

Translate

تابعنا على الفيس بوك

ترتيب موقعنا

powered by Is Banned ???
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
جميع الحقوق محفوظة © 2011 مسلم | مدونه مسلم وافتخر | المدونة تعمل تحت منصة: Blogger